مميز
EN عربي

الفتوى رقم #41339

التاريخ: 12/08/2013
المفتي: الشيخ محمد الفحام

هل قلة التوفيق للطاعات دليل على غضب الله على عبده

التصنيف: الرقائق والأذكار والسلوك

السؤال

السلام عليكم.. جزاكم الله عنا كل خير.. اجد بعض الفتور وقلة اللهفة الى العبادات..وقسوووة في قلبي على عكس الفترة الماضية حيث كان تلهفي باعلى الدرجات..لكن لا اجد سبب لهذا التغير.. لكني الى الان وانا اداوم على ماكنت عليه مع قلة الخشوع واللذة..والصعوبة في قيام الليل_ ولكن برمضان سهل علي ذلك كثيرا ولله الحمد ولكني ارى ان هذا من بركات رمضان واخشى بانتهاء رمضان ان اعود للسابق_ انا في حيرة في رضى الله وغضبه عني .. وحزن شديد لكل يوم لا اقوم الليل فيه بعد ان كان قرة عيني.. حيث انني اشعر واقول في نفسي ماحرمت هذا الخشوع واللذه الا بسبب معاصي ارتكبتها.. لكني ابحث عن معصية تكون السبب لا اجدها.. فما علة هذا التغير.. وكيف اعود لماكنت عليه؟؟وهل صحيح ان ربي ساخط علي؟؟؟ مع العلم اني اقضي اغلب وقتي بالذكر والصلاة والقران الا اذا نادتني الوالدة او الوالد للجلوس معهم او اقوم بمساعدتهم.. حيث انني لا ارتاح الا مع ربي او شخص يحب ويعرف ربي.. هل ما انا عليه صحيح ام اني مخطئة؟ يخطر ببالي ان سبب تغير حالي وعدم توفيقي للطاعات بالشكل الماضي قد يكون بعدي عن من حولي وعدم اعطائهم بعضا من وقتي للجلوس والكلام معهم؟ حيث اني ابتعدت عن كل من لا اجدهم يقربوني لله والكلام معهم لا فائدة دينيه منه وهم في عتاب وضيق لبعدي عنهم.. فهل انا مخطئة بحقهم وربي لا يرضى عن ما انا فيه؟ اخشى ان يكون بعملي رياء او عجب هل من دعاء ادعي به للتخلص من ذلك؟؟ ارشدوني جزاكم الله خيرا ..ولاتنسونا من دعاءكم بالثبات وبر الوالدين ولين القلب والهدايه لما يحبه ربنا ويرضى ..

الجواب

أختنا الكريمة لا شك أن قلقك على الطاعة وثمراتها دليل عافية أصل الإيمان والخوف من الديان واسمحي لي أن أُفَنِّدَ تساؤلاتك واحداً بعد الآخر؛
أولاً؛ الفُتور في الطاعة وقلة اللهفة إليها مردُّه إلى أحد علتين الأولى؛ علةٌ حِسِّية كمرض عضوي يَحولُ دون تمام العمل فيُعَدُّ صاحبُه به معذوراً بل ويبقى ثوابُ عمله الكامل سارياً كأيام صحته إلى عَوْدِ نشاطه بالشفاء.
الثانية؛ علة معنوية كالانشغال بشؤون الدنيا وهمومها والقلق من المستقبل ما يُحْدِثُ خَللاً في محراب الطاعة بكثرة التفكير المسَبِّب شروداً وتيهاً في طلب سرابٍ يحسبه الظمآن ماءً، وهو خطير لأنه سبب من أسباب النقص الدائم في إيمان العبد نعم! وإن كان مُتَلَبِّساً بطاعة!!؟
أو بسبب معصية أحدثها لا يحمل لنتائجها بالاً يجِدُ مَغِبَّتَها في طاعته فيُحْجَبُ عن أنوارها بظلمة المعصية. هذا؛ والمعصيةُ نوعان نوعٌ يتصل بظاهر الإثم كمخالفات الجوارح لا سيما اللسان من غيبة ونميمة وسائر أنواع اللَّغَط، ونوع يتصل بباطن الإثم كالرياء والعجب والاستكبار وهذا أخطر لأنه كالسرطان يفتِك بالجسم دون أن يُرى أثرُه فالمبتلى بمثل ذلك هو بحاجة لصحبة من ينهضه حاله ويدله على الله مقاله موعظةً وتذكيراً ودلالةً ذلك أن الإنسان قاصرٌ عن رؤية عَيْبِ نفسه فهو بحاجة إلى ذي بصيرة يُعينُه ويَنهَضُ به.
ثانياً؛أما قسوة القلب فلا شك أنَّ مَرَدَّها إلى حقيقة لا إلى وَهْم لأنها لاتتولد إلا من فعل يحجبُه عن أنوار الحق، و عليه؛ فلا بد من البحث عن السبب و قد يكون في نظر المخالف هيناً وهو عند الله عظيم.
لذا فلا بد من الإقلاع عنه كشرط أساس من شروط التوبة ثم الاستعانة على زوال تلك القسوة بعموم رحمة المسكين و اليتيم و الأرملة و صلة الأرحام مع ما ذكر من بر الوالدين.
ثالثاً؛أما أمر المداومة على العبادة رجاء اللذة فقد تكون الطاعة مع الشرط معلولة فإن العبد لا يَشْتَرط على مولاه ذلك أن العبد الخالص مُلْكٌ لمولاه وملتزم معه بما قضاه وهو من أدب العبودية، وأما أمر الخشوع فإنه إذا زال المانع عاد الممنوع.
رابعاً؛أما شأن رمضان فمعلوم أنه خلاصة السنة وهو هدية الله للأمة المحمدية والهدية في ثمراتها وعطاءاتها على جلالِ مُهْديها وجمالِه لذا فتح المولى له أبواب الجنة وأغلق أبواب جهنم وصفَّد الشياطين وجعل كل لياليه منيرة أنْوَرَ من نُهُرِهَا فمجال اليُسر في رمضان مفتوحُ الأبواب لذا نحتاج إلى عظيم الشكر باستثمار مضاعفة تلك العلاقة ليسر الطاعات في باقي الشهور فرمضان خلاصة السنة كما أشار ربانيو هذه الأمة وهو معهد الثلاثين يوماً والخارج من رياضه مُرْتَقٍ إلى أفضل إن شاء الله لنيله تحفة القبول وتبوئه سُدة العِزَّة عند العزيز سبحانه من أجل ذلك تُخاطبه ملائكةُ السماء استقبل من أمرك فقد غُفِر لك ما استدبرت.
ثم إنه من المعلوم أن الدعاء في رمضان مستجاب لا سيما بدعوة الصائم المحتسب فتضرعي إلى مولاك في دعائك أن يُعَرِّفَكِ نعمةَ قربه بدوامها لا بزوالها و أدعو الله تعالى أن يُمتِّعَكِ بذلك .
خامساً؛أما خوفك من غضب الله فهو شأن عافيةٍ لا شأنُ مرض لأن الخائف قلق والقلق مفتاح الوصول إلى المأمول لأنه علامة الندم، فالأول بريد الثاني وهذا الأخير توبة بلا ريب لذا ما نفع العابدَ شيءٌ مثل خوف مقلق.. وتعلمين أن التوبة رجوعٌ إليه وما أحلى الرجوعَ إليه سبحانه... لكن ينبغي أن يُقْرَنَ ذلك كله بالعمل فعودي بهمة الحسِّ إلى القيام أجل وإن لم تجدي ذلك الأنس فإن دوام العكوف على باب التواب استفتاحاً لباب رحمته فلاتجعلِنَّ من بَرْد الهِمَّة سبباً للتَّرْكِ فإنه مَعينُ الانحدار.
سادساً؛أما ادعاؤك عدمَ وجودِ المعصية فهو بحَدِّ ذاتِه معصية
أولاً: لأنه ما عُصِم إلا الأنبياء
ثانياً: لأن فيه تزكيةَ النفس لذاتها
ثالثاً: فيه وقوفٌ في دائرة العبادة لا في محراب المعبود
رابعاً: فيه نسبة العمل للذات
خامساً: فيه غفلة عن مقام الافتقار.
هذا ولو فَنَّدَ العبد أسبابَ بُعْدِه لوجد الكثير الكثير من العلل أدناها اشتغالُه بما لا يعنيه.
سابعاً:ابحثي في نفسك بتجرُّد تجدي عِلَّةَ ما أنتِ فيه من التغيير ولكن اعلمي بأنه عَرَض لا جوهر والعرض سهل الزوال فبمجرد توجيه ضياء اليقظة يزول ويبقى الجوهر وهو الأصل
قال: "كيف تجد قلبك"؟ قال مطمئناً بالإيمان"
فلا سخط إن شاء الله ولكن هو نوع من أنواع تربية الرب للعبد وتزكيته لقلبه من أجل أن يَنْفُضَ عن نفسه غبار الغفلات فكم من غافل محبوب يعيش ظرف عبادته دون جوهرها وحين تلحظُه العناية الإلهية يدفعه مولاه إلى ما دُفِعْتِ إليه من أجل الفرار إلى صاحب التجلي الفريد قال تعالى: (فَفِرُّوا إِلَى اللَّهِ إِنِّي لَكُم مِّنْهُ نَذِيرٌ مُّبِينٌ). فكثيراً مانتلوا من كتاب الله تعالى ولانتدبر حيال جوهر المراد فمثلاً هنا بالتدبر نعلم أن الآمر عز وجل( الله ) يطلب أن تفر إليه فهل معقول أننا بالفرار إليه خاسرون؟ أم أن الإعراض عن ذلك هو عنوان البوار والهلاك والخسران المبين؟؟!
ثامناً؛أما قولكِ بأنك تقضين أغلبَ وقتك في الذكر والصلاة وتلاوة القرآن فهذا حسن ولكن قد ينقلب النفع إلى ضده إذا طَغَت العبادة على غيرها من الحقوق كإكرام الضيف وصلة الأرحام وإغاثة الملهوف وجبر خاطر الضعيف وقضاء حاجة ذوي الحاجة وخدمة المريض وحسن الجوار وغير ذلك فمعلومٌ أن المؤمن ابنُ وقته يضع الأعمال في قوالبها والشؤون في نصابها والأشياء في محلها فهي الحكمة والمؤمن حكيم والحكمة بمعناها اللغوي وضع الشيء في محله وعند بعض المفسرين في قوله تعالى: (يُؤتِي الْحِكْمَةَ مَن يَشَاءُ). هي الشريعة أي فمن عمل بأحكامها فهو حكيم لذا قد يصادفك ليلاً من الليالي استغاثة ملهوف أو عون مريض فهل من الحكمة تركه لأنك عادة تقومين الليل؟؟
الجواب واضح لدى كل ذي حكمة وبصيرة.
تاسعاً؛أما سؤالك عن كونك مخطئة أم مصيبة فلا أعتقد أنك مخطئة بمعنى المخالفة ولكن هو نوع غُلُوٍّ سهلٌ الرجوعُ عنه بنور الحكمة التي أشرنا إلى معناها لغةً واصطلاحاً.
عاشراً؛ولا أستبعد تلك العلة التي ذكرت من أنك تبعدين عن بعض الصلات والمبرات بعلة أنهم يبعدونك عن الله لأن حال المؤمن أن يؤثِّر ولا يتأثَّر وهو كالغيث أين ما وقع نفع فربما قضى الله بلقائهم أن نَهديَهُم إلى سبل الخير والفلاح وإبعادها عن علة ذلك البُعد بالأمر بالمعروف والنهي عن المنكر بالحكمة والموعظة الحسنة (فلأن يهدي الله بك رجلاً واحداً خير لك مما طلعت عليه الشمس) كما ورد في الصحيح.
الحادي عشر؛ أما عتابهم وضيق صدرهم منك فهو نتيجة طبيعية وواجبك تجاههم إزالة تلك الموانع قدر الإمكان، فرحم الله من جَبَّ المغيبة عن نفسه وقديماً قيل: معاشرة الناس والصبر على أذاهم خير من عدم معاشرتهم وعدم الصبر على أذاهم.وذلك لما فيه من عظيم ثواب المجاهدة الدعوية والاقتداء بهدي الحضرة النبوية .
الثاني عشر؛ أما معرفة كون العمل رياءً أو عُجْباً فمَردُّه إلى وجه التعريف فقد قالوا: الرياء هو إبراز العمل من أجل رؤية الخلق. والعجبُ رؤيةُ العمل على الذات تفاخراً بالقياس على تقصير البعض.
الثالث عشر؛أما الدعاء فأقول ابتداءً أكثري من الاستغفار فإن في الالتزام به فرجاً كما عن الصادق المصدوق صلى الله عليه وسلم: (من لزم الاستغفار جعل الله له من كل هم فرجا ومن كل ضيق مخرجا ورزقه من حيث لا يحتسب).
أما الأدعية فهي كثيرة منها أدعية الصباح والمساء التي كان يستَهِلُّ بها صباحه ومساءه رسولُ الله صلى الله عليه وسلم تجدينها في كتاب الأذكار للنووي ومنها: أذكار الصلوات المكتوبات (اللهم أعني على ذكرك وشكرك وحسن عبادتك ولا تجعلني من الغافلين)(اللهم حبِّب إلي الإيمان وزيّنه في قلبي وكرِّه إليَّ الكفر والفسوق والعصيان واجلني من الراشدين) ومنها (اللهم إني أسألك رحمة من عندك تهدي بها قلبي وتجمع بها شملي وتلمُّ بها شعثي وتردُّ بها أُلْفَتي وتصلح بها ديني وتحفظ بها غائبي وترفع بها عملي وتبيض بها وجهي وتلهمني بها رشدي وتعصمني بها من كل سوء ) .
(اللهم إني أسألك إيماناً دائما يباشر قلبي ويقينا صادقا حتى أعلم أنه لن يصيبني إلا ما كتبته عليَّ وأرضني بما قسمته لي)
(اللهم أعطني إيمانا صادقا ويقينا ليس بعده كفر، ورحمة أنال بها شرف كرامتك في الدنيا والآخرة)
ختاماً: وفقك الله تعالى لصالح الأعمال وأبرِّها عند البر ِّ الرؤوف الرحيم كما أسأله تعالى أن يؤنسك بقربه ويمتِّعَك بتجلياته ويحيي قلبك بنور معرفته آمين مع الرجاء بصالح الدعاء
إلى الأخت الكريمة ؛ لم يكن ذلك التفصيل إلا من أجلكِ وإرادة نقلِكِ عن إسار ما أنت عليه من الحَيْرة إلى ماهو أهمُّ وأَحْكَمُ, فما أنتِ عليه من العبادة مَظْهَرٌ يُعْوزُهُ الجوهر, فالعابد ربَّه على هَمٍّ وتشويش لايزداد إلا شروداً فقد ورد : (ليس لك من صلاتك إلا ما عقلت منها), من أجل ذلك كانت الإشارة بِلَفْتِ النظر إلى أنه لابد من تمام الطاعة بضمان المقدمة والنتائج. فكم من إنسان يعبد الله من جانب ثم يخالف من جانب آخر, والعِلةُ في ذلك الغفلة الناتجة عن ذلك الشرود, وقد تكون المخالفة خفية كشَغْلِ القلب بغير ماخلق من أجله, أقول فلم يكن القصد من عبارة , وإن كان متلبساً بطاعة إلا إشارة إلى ذلك المعنى لاإلى ماذكرتِ . وأما بحثك عن شخص يقربك من الله تعالى فهذا لاعلاقة له بما أنت فيه من ضغط التفكير, فهو شأنٌ صحي ولن تُحرمي الدالِّين على الله ما دُمْتِ صادقة في الطلب, فصدق الطلب ينيل الأرب. ثم إن معنى الوقوف في دائرة العبادة لافي محراب المعبود أن المرء إذا شُغِلَ بما قدَّمَ من صالح العمل عمَّن عمل من أجله ذلك العمل حجب به عن خالقه الذي جعل العبادة وسيلة لاغاية, أي للتعرف على المعبود القائل( وما خلقت الجن والإنس إلا ليعبدون) أي ليعرفوني , ومبلغ الوصول إلى الله شيئان, الأول؛ دوام التوجه إلى تلك الغاية, الثاني؛ عدم التَلَفُّتِ إلى سواها, فإن وجدتِ همة ونشاطاً شكرتيه, وإن وجدت تباطأً وتقصيراً استغفرتيه, فالشكر مفتاح دوام النعمة, والاستغفار مفتاح تجددها, والمرء فينا دائم الحاجة إلى نعمتي الإيجاد والإمداد من ربه سبحانه .
هذا ؛ ولم يكن تذكيري بالطريقة التي رأيت إلا من أجل إخراجك عن حدود الانشغال بعوائق النفس إلى رحاب ساحة فضله وعفوه فإن بلغت مبلغ الأمل بحب عفوه طوى عنك تلك العوائق, وسترك بكمالاته, وخصَّكِ بخصائص لطفه.
وفقك الله لأيسر الأعمال تعرفاً, وشرح صدرك لقطاف ثمر المعارف, وجعلنا جميعا ممن يستمع القول فيتبعون أحسنه كما قال سبحانه ( فبشر عبادِ الذين يتبعون القول فيتبعون أحسنه أولئك الذين هداهم الله وأولئك هم أولوا الألباب )