مميز
EN عربي

الفتوى رقم #41302

التاريخ: 18/07/2013
المفتي: الشيخ محمد الفحام

الدين حجة الله على الناس وليس العكس

التصنيف: الرقائق والأذكار والسلوك

السؤال

لدي خمسة أولاد ربيتهم على المحبة بين بعضهم البعض زوجتهم ونحن نعيش في بيئة ريفية نقوم بزيارة بعضنا البعض كأقارب رجال ونساء وكل القرية لباسها واحد لاتغطي المرأة عددسكانها 12ألف نسمة السؤال لدي ولدان متعصبان جدا عندما تأتي زوجة أحدهما لاتريد أن تجلس معنا بحجة حرام مما يسبب حرج لدى الأولاد والذهاب خارج الدار إنني أعلم تكشف وجهها عند أطباء الأسنان والنسائية ولا تذهب إلى طبيبات النسائية بعثت إليه الكثير من معارفي وحتى إمام المسجد بأن يجلسوا سواسيةً بين أولاد عمهم في البيت وعجزت كثيرا فوالله العظيم لا أبغي من ذلك إلا لم شمل العائلة والله على ما اقول شهيد والله العظيم لا يذهب إلى المسجد يوم الجمعة الذي يبعد 50 متر ديننا دين الوسطية وليس التعصب إنني لست ضد الحجاب على الإطلاق لكن ضمن المنزل لا أريده وبالنتيجة قلت لهم إبقوا في بيوتكم بعد أن عجزت علما أنه لايوجد في القرية سوى حالتين أو3 وانا على معرفة بقريتي إنني معلم في مدارس القرية وعمري 63 سنة أسأل نفسي ماهو مصير ثلاث أو4عائلات تسكن في دار واحدة تأكل وتشرب سويتا

الجواب

بسم الله والحمد لله والصلاة والسلام على معلم الناس الخير رسول الله صلى الله عليه وسلم وبعد؛ إلى الأخ الكريم مما لا شك فيه أنَّ كل بيئة يُعاني أهلها ما يعانيه من تناقضات اجتماعية، ومفارقات طبقية تفتح باب الجدل العقيم في الواقع السقيم ولا دواء ناجع إلا في ميزان الشرع فلو التقَيْنا على محاكمة الشرع راضين بحكمه مُسَلِّمين لحكمته لنجونا جميعاً من الخصام في الدنيا، وعسرِ الحساب في الآخرة الأخ الكريم؛ قديماً قيل: "الدين حجة الله على الناس وليس الناس حجة الله على الدين". قد ذكرتَ أن "لباس القرية واحد لا تغطي المرأة" فهل المعنى أن المرأة عندكم لا تغطي رأسها أم وجهها، فإن كان الأول فهو الوبال على الراضين بمثل ذلك، ذلك أن حكم الله في آية الحجاب ظاهرٌ ولا شأن له بمزاجية زيدٍ أو عمرو فكشفُ الرأس لا يجوز بل حرام ويجب ستره بالإجماع؛ قال تعالى: (وَلْيَضْرِبْنَ بِخُمُرِهِنَّ عَلَى جُيُوبِهِنَّ). وهو جمع أطراف الغطاء من على الرأس إلى الصدر غير أن الفقهاء اختلفوا في كشف بعض الوجه وأجمعوا على وجوب ستره إن كان باعثاً للفتنة كأن يكون جميلاً لافتاً محركاً لبواعث الشهوة. أما غير الجميلة أو المسنة جداً فلها أن تكشف عن وجهها فقط شريطة الأمان من الفتنة. والآية بكاملها (يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ قُل لِّأَزْوَاجِكَ وَبَنَاتِكَ وَنِسَاء الْمُؤْمِنِينَ يُدْنِينَ عَلَيْهِنَّ مِن جَلَابِيبِهِنَّ ذَلِكَ أَدْنَى أَن يُعْرَفْنَ فَلَا يُؤْذَيْنَ وَكَانَ اللَّهُ غَفُوراً رَّحِيماً). عذراً أخا الإيمان أن قدمت الحكم الشرعي على غيره من الكلام. أما حديثك عن الكشف لدى الطبيب فهو شأنٌ خاص مرهون جوازه بالضرورة ومع وجود الطبيبة المسلمة المختصة لا يجوز الطبيب فمن عكس فذلك من جهله بالحكم وعدم سؤاله لايعذره شرعا . هذا وأما سؤالك عن لم شمل العائلة فأقول: لا مانع من وجود الجميع في غرفة واحدة طالما أنهم ملتزمون بآداب الشرع وأوامره لا سيما عدمُ الخلوة بالحمو وهو قريب الزوج من أخ وعم وغيره من الذكور الذين لا يحرم الزواج منهم لو فارقها زوجها. هذا؛ وللقَيْد الاحترازي سمَّى المربي الأعظم صلى الله عليه وسلم (الحمو الموت) وعِلة ذلك أن أقرب أحماء المرأة الذكور منها بعنصر البيت الواحد قابل للفساد فالقلوب تهفو إلى ما تأنس به فربما يألفها أخ الزوج فيحدث ذلك فساداً بين الزوجين، بل وهلاكا للأسرة بكاملها لذا فإن كان هناك ضرورة فلا مانع مع عدم الزينة و بكامل الحشمة في اللباس مع الانضباط بضوابط آداب المخاطبة والجلوس كأن يجلس النساء جميعاً في جانب والرجال جميعاً في جانب. مع المراقبة الإلهية والتدبر القلبي لقوله تعالى: ( قُل لِّلْمُؤْمِنِينَ يَغُضُّوا مِنْ أَبْصَارِهِمْ وَيَحْفَظُوا فُرُوجَهُمْ ذَلِكَ أَزْكَى لَهُمْ إِنَّ اللَّهَ خَبِيرٌ بِمَا يَصْنَعُونَ) والمؤمن الحق يدور في فلك النور حيثما دار فإن عَلِمَ أنَّ حكمَ الله هو ما ذكر بالدليل التزم وتفاعل وإن علم أنَّ حكم الشيطان فيما هو عليه أعْرضَ وفَرَّ منه إلى الله حباً له وخشية منه. والوسطية أخي الكريم هي حالُ الكمال المصوِّرة للاسْتِحْواذِ على جوانب الخير كله كحامل العصا من منتصفها فهو مستحوذ على طرفيها، وأما التعصب المقيت هو الخروج عن ثوابت الأحكام بالتمسك بتقاليدَ لا صلةَ لها بأيٍّ من المكارم اللهم لا لشيء إلا لشيء واحد ألا وهو العادات. ومن التعصُّب المقيت دعوة الناس إلى الإسلام بأسلوب الغلظة والشدة والتقريع واعتبار نفسه هو الناجي وغيره من الناس هالك لا محالة فينصب نفسه حاكماً إلهياً يُدخل الناس النار ويمنعهم الجنة. ففي كلِّ الشؤون من لوازم إيصال حكم الله إلى القلوب الدعوة إلى الله بالحكمة والموعظة الحسنة بالكلمة الطيبة وبالتحبُّب واللطف وبإظهار حكمة التشريع، وبالتذكير والتوضيح لا الاستكبار.