مميز
EN عربي

الفتوى رقم #40946

التاريخ: 18/07/2013
المفتي: الشيخ محمد الفحام

أنا فى حيره بين معرفه رضى ربي وغضبه علي

التصنيف: الرقائق والأذكار والسلوك

السؤال

شيخى الكريم انا فى حيره من امرى اعرف ازاى ان ابتلاء الله عليا انه راضى على وان الابتلاء ده رحمه ولا غضب من الله وانه نقمه عليا؟انا فى ابتلاء الان ولا اعرف ان كان هذا الابتلاء غضب ولا رحمه؟وكذلك كلما قمت بعمل صالح او دعوت الله بدعاء اخشى ان يكون رب العالمين غضبان عنى لذلك لن يتقبل منى انا احب ربى ولكنى اخافه كثيرا ونادم على ذنوبى واريد رضاه وكنى لا اعرف ماذا افعل وماهى علامات رضاه عنى؟ وشكرا وارجو الرد حتى اهدأ من كثره التفكير

الجواب

أخي الكريم؛ اعلم أنَّ العبد أحدُ رجُلَين إما عاصٍ وإما طائع فالأول؛ إذا تمادى في المعصية سقط من عين الرحمة الإلهية وهوى في سحيق الأهواء وظلماتها ومع هذا فإن نداء الرحمة يدعوه إلى الرجوع إليه ويَنظره ويُمهله فإن آب إلى التواب قَبِله سبحانه وأقاله عثرته وعوَّضه خيراً. لكن إذا أصرَّ وكَلَهُ سبحانه إلى نفسه وردَّه إلى دائرة الشقاء المغلقة بختم القلب وسوء الختام. أما أمر البلاء فهو على أحد معنيين إما لرفع الدرجات أو لتكفير السيِّئات فالأول لأهل الطاعات والثاني للعصاة وقد ورد (إذا أحب الله عبداً عجل له العقوبة) فليس البلاء علامة على الشقاء إلا إذا ضَجِر المبتلى ولم يصبر ولَجَّ على قضاء الله وكفر فعندها يكون علامةً على غضب الله وشقاء البتلى في الدارين. فإذا صبر واحتسب واسترجع عوَّضه الله خيراً في الدارين. وعلى هذا المعنى كان البلاء بكل صنوفه من النعم بمفهوم أهل الإيمان واليقين بمدلول أدب المصطفى صلى الله عليه وسلم حيال قضاء ربه حيث كان عليه الصلاة والسلام يَحْمَدُ الله على كل حال في السراء والضراء، ومعلوم أن الحمد لا يكون إلا بالنعم؛ وأقول لك يا سيدي إضافة لما أسلفت طالما أنك في محراب الخوف والرجاء فأنت بين طرفي الأمان لأن خوفك من الله دليل على صحة خشيتك، وشدةُ خشيتك دليل على صحة رجائك، ومن خاف ربه ورجاه أمَّنه واجتباه. ورد أن النبي صلى الله عليه وسلم عاد أحد أصحابه فدنا منه مستعلماً حاله قائلاً: (كيف تجِدُك)؛ فقال: أرجو الله وأخاف ذنوبي فبشَّره صلى الله عليه وسلم بقوله: (لا يجتمعان في قلب عبد في مثل هذا الموطن إلا أعطاه الله ما يرجو وأمَّنَهُ مما يخاف) أو كما قال صلى الله عليه وسلم. أخرجه ابن ماجه بإسناد حسن والْمُسْتَقْرَأ مِن حرفك أنك تخاف الله وتخاف عدم القبول، وهذا الأخير معناه عند أهل التربية الرجاء كما في معنى قوله تعالى: (...كَانَ يَرْجُو اللَّهَ وَالْيَوْمَ الْآخِرَ). أي يخافه ويرجو عفوه وصَدْرُ الآية بقوله: (لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ لِّمَن كَانَ يَرْجُو اللَّهَ وَالْيَوْمَ الْآخِرَ وَذَكَرَ اللَّهَ كَثِيراً). فاطمئنَّ بالاً أنك في رحاب رحمة الله تعالى بدليل ما أنت فيه من عافية المراقبة الإلهية ولا تقلق من وجود البلاء وإن طال أمَدُه ذلك أنَّ فيه تمحيصاً لحقيقة الإيمان "وانتظار الفرج عبادة" كما ورد عن الصادق المصدوق صلى الله عليه وسلم. ألم نقرأ قول الحق سبحانه وتعالى: (وَلَنَبْلُوَنَّكُمْ بِشَيْءٍ مِّنَ الْخَوفْ وَالْجُوعِ وَنَقْصٍ مِّنَ الأَمَوَالِ وَالأنفُسِ وَالثَّمَرَاتِ وَبَشِّرِ الصَّابِرِينَ* الَّذِينَ إِذَا أَصَابَتْهُم مُّصِيبَةٌ قَالُواْ إِنَّا لِلّهِ وَإِنَّـا إِلَيْهِ رَاجِعونَ* أُولَـئِكَ عَلَيْهِمْ صَلَوَاتٌ مِّن رَّبِّهِمْ وَرَحْمَةٌ وَأُولَـئِكَ هُمُ الْمُهْتَدُونَ). ألم تلاحظ معي إلى المقصد الأسنى في قوله تعالى: (وَلَنَبْلُوَنَّكُمْ) تُرى مَن المخاطَبُ به أليس المبَشَّر؟؟ إذن فبلاؤك مع صبرك واحتسابِك بشارةٌ لك ألم تكن الثمرة (أُولَـئِكَ عَلَيْهِمْ صَلَوَاتٌ مِّن رَّبِّهِمْ وَرَحْمَةٌ وَأُولَـئِكَ هُمُ الْمُهْتَدُونَ). وأي مقام أعلى من أن يجعلك الله في ظل رحماته وقد عَدَّ سبحانه صبرك واحتسابك علامةَ هدايتك وهي شهادة ربانية على رضى الله عنك من غير شك. أكثِرْ أخي المبارك من ذكر الله والثناء عليه وكرر هذا الدعاء النبوي (اللهم إني أعوذ بمعافاتك من عقوبتك وأعوذ برضاك من سخطك وأعوذ بك منك لا أستطيع ثناءً عليك ولو حرصْتُ ولكنْ أنتَ كما أثنيتَ على نفسِكَ). وتذكَّر أن رضاك عنه سبحانه فيما يقضي هو دليل رضاه عنك قال سبحانه: (رَّضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ وَرَضُوا عَنْهُ ذَلِكَ لِمَنْ خَشِيَ رَبَّهُ). فقدَّم رضاه على رضاهم وجعل بريدَ ذلك كلِّه الخشية وهذا ولله الحمد موجودٌ موفور في روح شكواك عبر حرفك وسؤالك. وتذكر أن أشدَّ الناس بلاءً الأنبياء ثم الصالحون ثم الأمثل فالأمثل كما ورد عن السيد الأكرم صلى الله عليه وسلم. هذا ومن السُّنن الإلهية مع العبد المؤمن أنْ يعقب البلاءَ رخاءٌ، والشدة عافية، ولو بعد حين، فطولُ المدة في البلاء هو لحكمة يعلمها الله كثيراً ما يَقصر نظر المبتلى عنها ولكن بعُنصُر إيمانه يُسَلِّم ويُفَوِّض لعلمه أن الله لا يَعجلُ بعجلة العباد حتى تبلغ الأمور المراد. لذا أسأل الله تعالى لك قطاف ثمار خوفك منه بالرجاء وندمك على مافات سروراً وطمأنينة لترتع بإذن الله في ساحة رحمته وروضة رضاه عنك آمين يا رب العالمين. مع الرجاء بأن تخصَّنا بدعوة صالحة في ظهر الغيب.