مميز
EN عربي

الفتوى رقم #40553

التاريخ: 30/06/2013
المفتي: الشيخ محمد الفحام

الرد على المفتري القائل بأن التكفير منهج نبوي

التصنيف: العقيدة والمذاهب الفكرية

السؤال

السلام عليكم احد المشايخ والعجيب انه من اهل السنة الاشاعرة في احد المنتديات قال بالحرف الواحد - التكفير منهج نبوي شريف - واستدل بقول رسول الله صل الله عليه واله وسلم: ثنتان في الناس كفر النياحة على الميت والطعن في الانساب, مع اقراره انه ليس كفر بمعنى كفر اكبر ولكن عبارته المشكلة عندي هي: "التكفير منهج نبوي شريف" فهل من كلمة ترشدوننا بها خاصة اني اعلم انه يوقركم ويوقر هذا الموقع الكريم وشكرا

الجواب

أقول لو صحَّ قوله التكفير منهج نبوي شريف للزم أن تلغى مبادِئُ الرسالات بأكملها!!؟ إن كلمة منهج تعني الفصول والأبواب التي تُملأ بالمواد العلمية والأخلاقية والإنسانية فهل ملأ النبي الأكرم صلى الله عليه وسلم منهجه الإنساني بفصول إبقاء الكفار على كفرهم أم بفصول موادِّ التكفير أم أنها موادُّ الدلالة على نور الهداية وعلوم الأحكام ودعوات الخير وبناء الإنسان، سئل أحد العلماء الربانيين عن مهمة النبي صلى الله عليه وسلم ورسالته فقال لقد جاء رسول الله صلى الله عليه وسلم محارباً كفر الكفار لا شخصهم وضلالة الضالين وجهل الجاهلين لإخراجهم من ظلمات الكفر والجهالة إلى نور الإيمان والعلم والمعرفة. فاعتبار التكفير منهجاً نبوياً بعيد كلَّ البعد عن الأصل والمراد، بل وينسف روح المنهج من أصله نسفاً، أقول: كيف يستقيم هذا مع قوله تعالى: (فَلَعَلَّكَ بَاخِعٌ نَّفْسَكَ عَلَى آثَارِهِمْ إِن لَّمْ يُؤْمِنُوا بِهَذَا الْحَدِيثِ أَسَفاً). ومعنى باخعٌ "مهلك" أي لعلك مهلكٌ نفسك لأجل أن يكون الجميع مهتدين. والقول في ذلك أن رسالة الهادي جاءت رحمة وهدى وتبياناً لأسباب السعادة للعباد، جاءت لإخراج الناس من شقاء الوهم إلى فلاح العلم. صحيحٌ أن هنالك حكماً شرعياً لمن يكفر بعد الهدى ولكن على ذاك الذي يرتدُّ عن دين الله بمعنى الحِرابة والمعنى الصريح فهماً وقصداً لكلمة الكفر أي بكفر صراح بواح لا لبس فيه لأن التكفير أمر خطير فكم من إنسان ينطق بكلمة لا يعني معناها ومدلولها مقتضاها الكفر وحينما نسأله نجد أنه بعيد عن جذر الكفر بعْدَ السماء عن الأرض بل تجد نفسك أمام واجب تعليمه وحمايته من الكفر لا تكفيره وأنك إن قَصَّرت في حقه أثمت. اسمع معي إلى هذا الشاهد جاء رجل إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم يشكو إليه ضعف إيمانه قائلاً يا رسول الله؛ الإيمان ههنا وأشار إلى لسانه والنفاق ههنا وأشار إلى قلبه ولا أذكر الله إلا قليلاً فتوجه صلى الله عليه وسلم إلى ربه داعياً (اللهم اجعل له لساناً صادقاً وقلباً مؤمناً وارزقه حبي وحبَّ آل بيتي...) أو كما قال صلى الله عليه وسلم. إنه منهج الرحمة ومنهج الستر يتعاضدان وما ذلك إلا لإزالة كل أثر سلبي عن القلوب، وتلك هي الحقيقة الدعوية التي كان يتمتع بها عليه الصلاة والسلام، يُطلب منه الدعاء على الكافرين من أهل ثقيف فيدعو ربه راجياً اللهم اهد ثقيفاً. ومثل ذلك في حق دوس فيدعو اللهم اهد دوساً وأتِ بهم مسلمين فَحُبُّ الخير للغير هو المنهج وهو الأصل ومعلوم أنه ما كان يشكل على أحدٍ من الصحابة أمرٌ لا سيما في الإيمان إلا وينطلق إلى طبيب القلوب. لما قالها حنظلة لأبي بكر ما كفَّره أبو بكر بل انطلق به إلى السيد الأكرم صلى الله عليه وسلم المربي والمعلم والهادي ليتجرعا بلسم الشفاء من نور توجيهه فيرجعا بغير الوجه الذي ذهبا به فرحَيْن مطمئِنَّيْن ترى ماهي تلك الكلمة التي نطق بها حنظلة؟! إنها ما حفظه الدعاة الموجهين لعباد الله عَبْرَها إلى دين الله جاعلين منها وما نتج عنها منهجاً للدِّلالة على الله ومعرفته سبحانه إنها "نافق حنظلة" فهل تُرى من الحكمة أن يثْبتَها عليه أبو بكر ثم يحكم بكفره أم أنَّ عليه أن يكون هادياً لا مضللّاً وميسراً لا معسراً؟؟؟ بأن يسمع له، أجل؛ لقد أصغى إلى علة قوله حتى تفاعل وتأثَّر ثم أخذ بيده ولم يعثّره. بل لقد خشي على نفسه كما خشي على حنظلة فوجدا عند الحبيب الطبيب صلى الله عليه وسلم مسار الأمان وطريق الهدى بلطف القول وكمال الحكمة في تقريراته التربوية الناجعة. فأقول: يا أحباب الله ويا أحباب رسول الله صلى الله عليه وسلم انهجوا مع الخلق في الدعوة منهج سيد الخلق الذي كان يقول: (يسروا ولا تعسروا وبشروا ولا تنفروا). إن أمر التحبب لهذا الدين هو المنهج بل وروحه، فهل من أحد لا يعرف موقف النبي صلى الله عليه وسلم من أولئك الذين حاوروه في الدين أو في شأنٍ من شؤون أحكامه بل كلنا يحفظ قصة الشاب الذي جاء إلى الحبيب الطبيب صلى الله عليه وسلم يستأذِنه بالزنى أي جاء يطلب منه تحليل ما حرَّمه الله، ومعلوم أن الزنى من الكبائر وهنا العقل بالتأمل يقول: لو زجره نبيُّ الله أو طردَه أو أو... لكان حقاً أن يقال إنه منهج تكفير ولكن حينما نجد أنه صلى الله عليه وسلم يقربه ويمنع الإساءةَ إليه ثم يحاوره ثم يدعو له بقوله: (اللهم طهر قلبه وحصن فرجه)؛ ندرك أن منهج النبي صلى الله عليه وسلم إنما هو منهج تزكية القلوب من ظلمات الكفر وضلالاته بالحكمة والموعظة الحسنة والرحمة وفسحة الأمل في أن الله يعفو عن ما سلف أَنَّ رحمته سبقت غضبه وأنه الحليم الحكيم جل في علاه وفي الحديث (خير الناس من يحبب الله إلى الناس). ألا فلنحرص على ما حَرص عليه الداعية الأول صلى الله عليه وسلم الذي فتح باب التعرف على الإسلام أكثر فأكثر بصلح الحديبية. وفتح مغاليق قلوب أهل مكة ولَمَّا يُسلمْ بعفوه وإطلاقه لمن آذاه حيث قَدَّم على الوصول للفتح قولَه: (اليوم يوم المرحمة يوم تمجد الكعبة) أو كما قال صلى الله عليه وسلم. وصبر بعد الفتح وحَلُم على مَن بَقي مبطناً الكفرَ ومظهراً الإسلام فكان سبباً في حُسن إسلامه وإن شئت فارجع إلى تراجم المؤلفةِ قلوبُهم من الصحابة مسلمةِ الفتح كيف بدأ الكلام عن بداية تعرُّفهم على الإسلام ودخولهم في رحابه، ثم قيل فيه أسلم وحَسُنَ إسلامه. كأبي سفيان وسهيل بن عمرو وصفوان بن أمية وغيرهم الكثير. أقول ليت أننا ننطلق في دعوتنا إلى الله مُنْطَلَقَ مَن سماه ربه الرؤوف الرحيم وقال في حقه (وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا رَحْمَةً لِّلْعَالَمِينَ). ثم نعيش أجواء الهداية النبوية بفقه سيرته ونور دعوته وحُبهِّ الخيرَ للخلق أجمعين. ومنهج قوله: (لأن يهدي الله بك رجلاً واحداً خير لك من حمْر النَعَم). وأقول أيضاً وربِّكم لا يَملك الداعيةُ أن يَهدي القلوب ويردَّها إلى علَّام الغيوب إلا إذا غيَّب حظه الشخصي وشأنه الذاتي وأَحَبَّ لأخيه ما يحبُّ لنفسه كما هو الشأن النبوي الشريف لذا فلنصغ ختاماً إلى هذا الشاهد علَّه يوضِّح وينبِّه ويهدي ويُعَلِّم. في سيرة ابن هشام أن فضالةَ بنَ عمُيَرْ _وهو من مسلمةِ الفتح_ أراد قتل النبي صلى الله عليه وسلم وهو يطوف بالبيت عام الفتح، فلما دنا منه _وهما في الطواف_ قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (أفضالة؟) قال: نعم؛ فضالةُ يا رسول الله! قال: (ماذا كنت تحدِّثُ به نفسك؟) قال: لا شيء، كنت أذكر الله عز وجل قال: فضحِكَ النبي صلى الله عليه وسلم ثم قال: (اسْتَغْفِرِ الله) ثم وضع يده على صدره فسكن قلبُهُ. فكان فضالةُ يقول: والله ما رفع يده عن صدري حتى ما من خلق الله شيءٌ أحبَّ إليَّ منه. قال فضالة: فرجعتُ إلى أهلي، فمررتُ بامرأةٍ كنت أتحدث إليها فقالت: هلمَّ إلى الحديث فقلت: لا، وانبعث فضالةُ يقول: قالت هَلُمَ إلى الحديث فقلت لا يأبى عليكِ الله و الإسلامُ لو ما رأيتِ محمداً وقبيلَهُ بالفتحِ يوم تكسَّر الأصنامُ لرأيتِ دينَ اللهِ أضحى بيناً والشركُ يغش وجهَهُ الإظلامُ أرأيتَ إلى حكمته الهادية صلى الله عليه وسلم كيف أنه غيَّب حقه لحق عبد من عباد الله شذَّ عن الصواب فردَّه إلى التواب ونهض به عفواً ودعاءً حتى جعل منه داعيةً إلى الله بحاله وقاله يعظ ويُذكِّر ويدعو ويحقق ليجد معنى مقام الأواب. ختاماً فاللهم اهدنا واهدِ بنا واجعلنا هادين مهديين آمين يارب العالمين.