الفتوى رقم #3644
حول الرقية الشرعية
السؤال
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته سيدي محمد الفحام لطالما مررنا باناس ياخذون اسم الام والاب في الرقية الشرعية فما هو الحكم الشرعي في ذلك ؟ وهل يدخل في السحر ؟ مع العلم ان هنالك من هم مشايخ ولهم قدرهم وهل يجوز الذهاب اليهم ؟ وما حكم المسلم منهم ؟ وهل هذا الكلام ينطبق ان كان سحرا عل اي شيخ في احدى الطرق فلا نحدد اسماء خشية احداث فتنة. جزاكم الله خيرا سيدي ونفع الله بكم.
الجواب
وعليكم السلام ورحمة الله تعالى وبركاته، وبعد فإنَّ للرُّقيةِ الشرعيَّةِ ضوابطَ دقيقةً تُخْرِجُنا عن أيِّ التباس، وتجعلُ سواها على ميزانِها، والقعدة تقول: [الدِّينُ حُجَّةٌ على النَّاسِ وليس النَّاسُ حُجَّةً على الدِّين]، فَمِنْ أَهَمِّ تلك الضَّوابِطِ؛ أنْ تكونَ بماوردَ مِنْ أَدعِيَةِ الكتابِ والسُّنةِ وما شابَهَها مِنْ أدعيَةِ الصالحين بما لا يُخْرِجُها عن جوهَرِ المعنى الْمراد منها بحال، ومنها؛ أن تكون باللغة العربية المفهومة، وبما يُعرفُ مَعناهُ، ولا يُحْدِثُ إشكالاً وضَبابِيَةً عند الْمَرْقِي، ومنها؛ اعتقادُ أنَّ الشافي اللهُ تعالى وأنَّ الرُّقيةَ مُجَرَّدُ سَبَبٍ شريف أَذِنِ به الشارعُ الحكيم، ومنها؛ عَدَمُ تَشَوُّفِ الراقي إلى هَوى النَّفس الجارف بأنَّ لِشَخْصِهِ ويَدِهِ ولسانِهِ قُدْسِيَّةً تُحَتِّمُ على النَّاسِ حَصْرَها به لا بِسواه، وذلك مِنْ أَخْطَرِ الْمَزالِقِ التي يَهوي في تِيهِها بعضُ الغافِلِينَ عن حَقيقَةِ العُبودِيَّةِ للهِ تعالى، لما فيه مِنْ باطِنِ الإثمِ المترجمِ هنا بالشِّرْكِ الخَفِي عافانا اللهُ تعالى.
وأما استفسارُكَ عن طريقةِ البعضِ قبلَ الرُّقْيَةِ مِن أنَّهمْ يَطْلُبونَ الأسماءَ على ما ذكِرَ، فَعقيدَتُنا التي تَحْفَظُ علينا إيمانَنا وسلامةَ صدورِنا، والتي نَلقى اللهَ عليها أنَّهُ سبحانه غَنيٌّ عن مَعرِفَةِ أسمائهم، فهو أَعْلَمُ بأحوالِ مَنْ خَلَقَ وما خَلَقَ، بل يَكْفي توجُّه الطرفين إليه سبحانه بافتقار مُطْلَقٍ الراقي والْمَرْقِي عَبْرَ شهودِ الْمُتَصَرِّفِ الجليلِ، وبخالصِ العبوديةِ له تعالى مع اليقينِ أنَّ مولانا سبحانه ما أَذِنَ لنا بِشَيْءٍ إلا وقد ضَمِنَ لنا النَّتيجةَ، لكنْ في الوقتِ الذي يُريد، لا في الوقتِ الذي نُريد، وكيْفَما يَشاءُ، لا كَيْفَمَا نَشاء، وعِلَّةُ ذلكَ أنَّهُ أَدْرَى بِما يُصْلِحُ الطالبَ.
فَكَمْ مِنْ رُقْيَةٍ ودُعاءٍ لِمَطْلَبٍ نَزَلَ في الوقتِ الْمُناسِب، فَكانَ مصدر عافيةٍ تامةٍ وسعادةٍ غامِرَةِ، وكَمْ مِنْ تَوَجُّهٍ إلى اللهِ تعالى صادِق في رحابِ مُبْتَلىً ومَريضٍ بقراءةِ الفاتحةِ قد خُتِمَ له بتمامِ العافية، وسَكينةِ القلبِ، وراحةِ البال.
والخلاصة؛ أنَّ ما زيدَ على ما ذُكِرَ لا حاجةَ بنا إليه، ذلك أنَّ ربَّكَ أعلَمُ بحاجةِ عبدِهِ وحالِه، وبيانه سبحانه أجلى دليل: (وَقَالَ رَبُّكُمُ ٱدۡعُونِيٓ أَسۡتَجِبۡ لَكُمۡۚ إِنَّ ٱلَّذِينَ يَسۡتَكۡبِرُونَ عَنۡ عِبَادَتِي سَيَدۡخُلُونَ جَهَنَّمَ دَاخِرِينَ) وقال سبحانه: (فَلَمَّآ أَلۡقَوۡاْ قَالَ مُوسَىٰ مَا جِئۡتُم بِهِ ٱلسِّحۡرُۖ إِنَّ ٱللَّهَ سَيُبۡطِلُهُۥٓ إِنَّ ٱللَّهَ لَا يُصۡلِحُ عَمَلَ ٱلۡمُفۡسِدِينَ) وقال سبحانه: (وَمَا هُم بِضَآرِّينَ بِهِۦ مِنۡ أَحَدٍ إِلَّا بِإِذۡنِ ٱللَّهِۚ)، وما على العبدِ إلا أنْ يَصْدُقَ في الطَّلَبِ لِتُقْبلَ عليه تجليّاتُ الله تعالى بالرحمات والبركات والخيرات وتمام العافية من جميع البليات بواسع فضل رب الأرض والسموات.
تنبيه هام؛ احذَرْ أخي الطيِّب مِمَّنْ يُدخِلُ الواردين عليه في متاهاتِ الأوهامِ عَبْرَ حساباتٍ لا تُسْمِنُ ولا تُغْني مِنْ جوع، بل كثيراً ما تُوقِعُ الْمُصَدِّقَ لهم في حِصارِ اليأْس الخانِق، والحِقْدِ على الناس، واسْتَغْنِِ بهدْي الحبيبِ الأكرمِ لتتكامل لك عافيتُكَ بإِذْنِ اللهِ تعالى مِنْ غَيرِ تَبَعاتٍ ولا حَسرات ، واحرصْ على صحبةِ الصالحين ودعائهم، ونُصْحِ العلماءِ الراشدين، وهو سبحانه الهادي إلى سواء السبيل. مع الرجاء بصالح الدعاء.