مميز
EN عربي

الفتوى رقم #3570

التاريخ: 28/07/2021
المفتي: الشيخ محمد الفحام

داء الكبر حجاب خطير

التصنيف: الرقائق والأذكار والسلوك

السؤال

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته سؤال محيرني لدرجة كبيره. كيف يمكن للانسان ان يتكبر وهو يعلم الحقيقة وشاهدها بعينه. مثلا كيف يمكن لليهود ان ينكروا نبوة النبي محمد وهم يعلمون انه نبي والنار بانتظارهم ان لم يؤمنوا؟ كيف يمكن لابليس وبعد ان رأى الله ورأى الملائكة ان يستكبر ويختار العذاب الابدي؟ هذا الامر جعلني محتار لدرجة الجنون. كيف يمكن للشخص ان ينكر الحقيقة وهو يعلم ومتأكد من صحتها؟ ارجو الرد وشكرا جزيلا 

الجواب

وعليكم السلام ورحمة الله تعالى وبركاته؛ وبعد، فإنَّ حَيْرَتَكَ تزولُ حينما تَعْلَمُ أنَّ حُبَّ الشخص ذاتَه يوصلُه إلى تَخْصِيصه نفسَه بما يُمَيِّزُهُ عن غيرِهِ، ويرى ذلك نوعَ استحقاقٍ يعتدُّ به، فإنْ رأى خصائصَ من مثل ذلك في بني جِنْسِهِ نافسَهُم مسارعةً إلى تحقيقِ الأَسبقيَّة بحُجَّةِ ما عندَه مِنْ ميِّزات، وعندها إذا سُبِقَ ترفَّعَ بما كان يرى لِنَفْسِهِ، فإذا طُولِبَ بالتَّواضُعِ فرَّدَ عَقْلَهُ بالحُكْمِ مُغَيِّباً قَلْبَهُ، ومعلومٌ أنَّ شَأْنَ العقلِ حِسَابُ النِّسَب بخلاف القلب فَشَأنُه رَدُّ الحقِّ إلى خالِقِهِ بيقينِ أنَّهُ هو مَنْ المعْطِي المانِعُ الخافِضُ الرافِعُ، وأنَّ كلَّ ما يتمتَّعُ به المخلوقُ عارِيةٌ مُسْتَرَدَّةٌ، فكلُّ مَنْ سَلِمَتْ فِطْرَتُه، سَلِمَ قلبه، ومن سلم قلبه نجا مِنْ حُجُبِ الظلاميَّة التي تَحْسُرُ النُّور عنه، فلا يرى ما وراء دائرتِه، وذلك هو الاستكبار بعينِه الذي بَدَأَ بِحُبِّ الأَنانيةِ النَّابعِ مِنْ الاعتداد بالذات وكما ورد: (حُبُّكَ الشيءَ يُعْمِي ويُصِمُّ) فالْمُسْتَكْبِرُ مخلوقٌ مُتَناقِضُ الفَهْمِ والنَّزْعَةِ لأنَّه نازَعَ مولاه الْمُتَفَرِّدَ باسمِهِ الْمُتَكَبِّر، فهو شَخْصٌ مُدَّعٍ ردَّى نفسَه لَبُوسَ زُورٍ فَحُجِبَ قلبُه عن نورِ الحقِّ وبذا غابَ عن رؤيةِ الأصل، ولم يَعُدْ يَذْكُرُ وَعْداً ولا وعيداً، بل ينعدمُ الشُّعورُ بالخوف مِنَ العِقابِ والبُعْدُ عن مَنظورِ العذابِ الْمُنْتظر أجل! فهذا هو شأنُ ابليسَ الذي لما مَيَّزَ نفسَه عن آدم قائلا: (أَنَاْ خَيْرٌ مِّنْهُ خَلَقْتَنِي مِن نَّارٍ وَخَلَقْتَهُ مِن طِينٍ) ولَمَّا طُرِدَ لم يَكْتَرِثْ، وذلك لعمايةِ الباطنِ بظلمةِ الاستكبار قال تعالى: (قَالَ فَاهْبِطْ مِنْهَا فَمَا يَكُونُ لَكَ أَن تَتَكَبَّرَ فِيهَا فَاخْرُجْ إِنَّكَ مِنَ الصَّاغِرِينَ* قَالَ أَنظِرْنِي إِلَى يَوْمِ يُبْعَثُونَ) كلُّ ذلك سَبَبُهُ حجابُ القلبِ عن نورِ الرَّبِّ الذي به يَنْفَسِحُ ويَنْشَرِح، والواقعُ يَشْهَدُ، فَكَمْ مِنْ مُسْتَكْبِرٍ حالَ تعاليه لو حاورتَهُ في مُنْتَظَرِ الحسابِ والسؤال لتلقى ذلك بِنَوْعٍ من الاستخفافِ الدال على عماية الباطن بأنَّ ما يَعْنَيهِ هو أن يعيش الحظة تلو اللحظة وكأنه مخلَّد في دنيا هذه الحياة الآنية، وعنده مَنْ يُرِدِ الجنَّة فَلْيَرْحَلْ إليها.

وهنا لابد مِنْ هَمْسَةٍ؛ إنَّ القضيَّةَ كلَّها مُتَعَلِّقَةٌ بالإيمان الذي هو التصديق مِنَ الداخل القَلْبِيِّ المحرك لجميع الجوارح على الصراط المستقيم والمنهج القويم ومن هنا ورد _كما في البخاري_ (إنَّ المؤمنَ يرى ذنوبَه كأنَّه قاعِدٌ تحتَ جَبَلٍ يخافُ أنْ يقعَ عليه، وإنَّ الفاجرَ يرى ذنوبَهُ كَذُبابٍ مَرَّ على أَنْفِهِ، فقال به هكذا). 

اللَّهمَّ أعِذْنا مِنْ حُجُبِ الفَهْمِ عنك، ونسألُكَ يارب العالمين إيماناً لا يَرْتَدُّ، ونَعيماً لا يَنْفَد، ومُرافَقَةَ نبيِّكَ الأعظم في جنَّةِ الفِردوس آمين.