الفتوى رقم #3519
السبيل إلى غض البصر
السؤال
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته كيف حالكم سيدي نتمنى لكم عيدا مبارك سعيد، سؤالي سيدي هو كيف الواحد منا في هذا الزمن يقدر ان يغض بصره وايما جهة نظر إليها فيها ما يفتنه ويحرك شهوته؟ وجزاكم اللّه عنا خيرا سيدي
الجواب
وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته؛ وبعد أخي الكريم! فإنَّه ما مِنْ شابٍّ إلا ويُعاني ما تُعانيه؛ غيرَ أنَّ الْمُبْتَلَى مِنَّا هو أحدُ رجلين: إما مُراقِبٌ لرَبِّه أو غافلٌ عنه سبحانه فالأول؛ أوّابٌ إلى الحقِّ مُتفاعِلٌ مع أَمْرِ الحقِّ القائل: (قُل لِّلْمُؤْمِنِينَ يَغُضُّوا مِنْ أَبْصَارِهِمْ وَيَحْفَظُوا فُرُوجَهُمْ ذَلِكَ أَزْكَى لَهُمْ إِنَّ اللَّهَ خَبِيرٌ بِمَا يَصْنَعُونَ) نعم! فإنَّه كُلَّما زَلَّتْ قَدَمُه رجعَ إلى مولاه الجبار بالاستغفار والتوبة النصوح، ولعلك تسألُ فتقول: إذاً أَنْظُر وأُمَكِّن النَظَرَ؟؟؟
أقول: حاشا أنْ يكونَ هذا هو القصد، وإنَّما هو الإشارةُ إلى ضعفِ الإنسانِ لِمَا رُكِّبَ فيه مِنَ الغرائزِ التي أُمِرَ بضبطِها في نظام الحكم الشرعي تزكيةً للنَّفس وحفظاً للحرمات ِلِحْكَمَةِ التكليف.
وأما الثاني؛ فهو المسترسِلُ في النَّظَرِ بعُنْصُرِ غَلَبيَّةِ الشَّهوة لضَعْفِ تقواه وفَقْدِهِ المراقبةَ الإلهية.
فالمجاهدُ نفسَهُ أوَّابٌ، والأوَّاب رجَّاعٌ إلى الحقِّ، فهو الذي كلما وقع في ذنبٍ بسرعة سريعة إلى الله تعالى آب أي: رجعَ إليه سبحانه ومعلوم أنَّ الرجَّاعَ إلى الله تعالى في ارتقاءٍ دائمٍ وتحسُّنٍ مستمرٍّ ببركة الخشيةِ التي هي ثمرةُ المراقبةِ الدائمة، وعليه؛ فَتَتَقاصَرُ الرغبة في النَّظر لتنامي الشعور الوجداني الدقيق المثمر خَوْفاً دائماً من الله تعالى، والموَرِّث عبادةً يَسْتَشْعِرُ حلاوتَها في القلبِ مِصْداقاً لِقولِ السَّيِّدِ الأَعظمِ صلى الله عليه وسلم فيما أخرجه الإمام أحمد: (ما مِنْ مُسْلِمٍ يَنْظُرُ إلى مَحاسِنِ امرأةٍ، ثم يَغُضُّ بَصَرَهُ إلا أَحْدَثَ اللهُ له عبادةً يَجِدُ حلاوتَها في قلبِهِ) وقولِهِ صلى الله عليه وسلم فيما يرويه عن ربِّه: (النَّظْرَةُ سَهْمٌ مِنْ سِهامِ إبليسَ، مَنْ تركَها مِنْ مخافتي أَبْدَلْتُهُ إيماناً يجدُ حلاوته في قلبه) وفي ذلك استنهاضٌ لِهِمَّةِ المؤمنِ وهو يُمَنِّي النَّفْسِ بالاستقامة لِثَمَرَةِ تقواه، ولا والله ما خابَ مَنِ اتَّقَى اللهَ تعالى حقَّ تُقاتِهِ بالائتمار بما ذَكَّرَ وأَمَرَ، والانتهاءِ عما نهى عنه وزَجَرَ.
ثم إنَّ الطاقَةَ الْمُعينَةَ على الالتزامِ هي كَثْرَةُ الذِّكْرِ كما أشارَ أهلُ اللهِ بأنَّ الذِّكْرِ دواءٌ ناجعٌ لِعافِيَةِ النَّفْسِ مِن أيِّ شاغلٍ لا سيَّما الاسترسال في الشهوة بإِتْباعِ النَّظْرَةِ نظرةً ثانيةً تلك التي أشار إلى حُرْمَتِها السيدُ الأكْرَمُ عليه الصلاة والسلام بقوله فيما أخرجه الترمذي وأبو داود: (يا عليُّ! لا تُتْبِعِ النَّظْرَةَ النَّظْرَةَ، فإنَّما لكَ الأولى وليست لك الآخرة) والمقصودُ بالنَّظْرَةِ الأولى تلك التي تَمُرُّ صورتُها بين يديه دون قصدِها على الإطلاق نعم! والتي يعقبها غَضُّ البَصَرِ بعنصر المراقبة والإيمان والخشية من الديان. وفقك الله تعالى ورعاك وحفظك سبحانه مِنْ كلِّ سوء مع الرجاء بالدعاء.