مميز
EN عربي

الفتوى رقم #3502

التاريخ: 07/03/2021
المفتي: الشيخ محمد الفحام

صديقي يتهكم على السادة الصوفية

التصنيف: الرقائق والأذكار والسلوك

السؤال

 لي صديق دوما يتندر بالصوفية ويتمحك لتسفيههم . وآخر مرة قال لي بأن الشافعي صحب الصوفية فلم يستفد منهم إلا حرفين : الوقت كالسيف ان لم تقطعه قطعتك نفسك ان لم تشغلها بالحق شغلتك بالباطل افيدونا جزاكم الله خيرا ( كيف ارد على هذا الشخص) اذا تكرمتم اريد جوابا من الشيخ محمد الفحام 

الجواب

وعليكم السلام ورحمة الله تعالى وبركاته؛ أخي الكريم! البيانُ الحقُّ في قضيةِ التصوُّفِ والصوفية هو أنْ نَقِفَ تجاه حقيقتِهِ موقِفاً عِلْمياً سليماً مُتجرِّداً، وإلا فإنَّ الكلامَ الكيديَّ الهوائيَّ لا يُقَدِّمُ ولا يؤخِّرُ، ذلك أنَّ مُصيبَتَنا مع الْمُنْكِرين إنما هي في سُرْعَةِ النَّقْدِ دون ميزان علميٍّ يُرْجَعُ إليه وكأنَّ القضيةَ عندهم قضيةُ ثأرٍ أو انتقام، فيجعلون مِنْ ذلك مَنْهَجَ استخفافٍ وانتقاص، ولا أدري خلفيَّةَ هذا التوجُّه مع العلم بأنَّ كبارَ أهلِ العلم والفضل تكلَّموا عن أصالتِهِ ووضَّحُوا منهجَ الإسلام فيه وأن مُصْطَلَحَهُ مُشْتَقٌّ مِنَ الصفاء، وأنَّ جَذْرَهُ الأصلَ هو ركنُ الدِّيِن الثالثِ؛ [مقامُ الإحسان] الذي عرَّفَهُ النَّبِيُّ الأكرمُ صلى الله عليه وسلم في الحديث الصحيح بقوله: (أنْ تعبد الله كأنَّك تراه، فإنْ لم تكن تراه فإنه يراك) أي: أنَّ المؤمنَ الحقَّ إنما صافي القلبِ سليمُ الفِطرةِ الْمُتَحَقِّقُ بشهودِهِ مولاه في الحركاتِ والسَّكناتِ عَبْرَ مقامِ المراقبةِ للهِ تعالى، وهنا مِنْ حَقِّنا أنْ يجيبَنا صاحبُك عمَّا فَهِمَهُ مِمَّا تَلقَّاه الإمامُ الشافعيُّ عنهم رضي الله تعالى عنه من قيمة الوقتِ، وشَغْلِ النَّفْسِ بالخير وبما يَعْنِيها؟؟ أليس ذلك من خلاصةِ التوجيه النبوي؟؟ هذا إذا فَرَضْنا أنَّ الإمامَ الشافِعِيَّ رضي اللهُ تعالى عنه لم يَتَلَقَّ عنهم سوى ذلك، وأقول لذلك الْمُتَنَطِّعِ، وهل ظَنُّكَ بالإمامِ الشافعي رضوان الله تعالى عنه سوءَ الظنِّ بعباد الله؟؟ أم أنَّه _أي: صاحبكَ_ يجهل حتى جوهر الخُلُقِ السليم في الإمام عليه الرحمة والرضوان.  

إذن؛ فالإنسانُ عدوُّ ما جَهِل، فلو عَلِمَ تعريفَ التصوفِ والصُّوفيِّ لأَدْرَكَ أنَّه بحاجَةٍ إلى تزكيةٍ نفسِيَّةٍ كبيرةٍ لِيَصِلَ إلى ما وَصَلُوا إليه من العلوم والمعارف!؟ سَلْ صاحبَكَ تُرى ماذا يَعْرِفُ عن أئمةِ التصوف المتقدمين الكبار كالإمام الجُنَيْدِ والسَّرِيِّ السَّقطي ومعروفِ الكرخِي وداود الطائي وأبي سليمان الداراني وأبي الحسين النوري والإمام النووي والإمام السيوطي وغيرهم الكثير من الأئمة الأعلام الذين ملأوا طِباقَ الأرضِ عِلْماً وفَضْلاً.

بَلِّغْ صاحبَكَ أنَّ كبارَ أهلِ العلم قد عَرَّفُوا التصوف تعريفَ دِرايةٍ وروايةٍ ما يشير إلى أهميتِه وحاجة الأمة إليه، وهنا أذكرُ تعريفين الأول؛ لِشيخ الأزهر الإمام الأكبر الشيخ الجليل الدكتور عبد الحليم محمود عليه الرحمة والرضوان يقول: إنَّ المنهجَ الصُوفيَّ إنَّما هو تحقيقٌ واقعيٌّ لقوله تعالى: (قَدْ أَفْلَحَ مَن زَكَّاهَا) فتزكيةُ النَّفْسِ هي صفاؤها وتصفيَتُها أنَّها الوصولُ إلى الصفاء. والمنهجُ محاولةٌ للقُرْبِ ما استطاع العبد إلى ذلك سبيلا مِنْ: (قُلْ إِنَّ صَلاَتِي وَنُسُكِي وَمَحْيَايَ وَمَمَاتِي لِلّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ*لاَ شَرِيكَ لَهُ وَبِذَلِكَ أُمِرْتُ وَأَنَاْ أَوَّلُ الْمُسْلِمِينَ)

الثاني؛ لسيدي الإمام الشهيد السعيد الدكتور البوطي رحمه الله تعالى قال: [هو اسمٌ حادثٌ لمسمى قديم إذْ إنَّ مُسمَّاه لا يَعدو كونَهُ سعياً إلى تزكيةِ النَّفسِ مِنَ الأوضارِ العالِقةِ بها عادةً كالحَسَدِ والكِبْرِ وحُبِّ الدنيا وحُبِّ الجاه، وكذلك ابتغاءَ توجيههما إلى حبِّ الله تعالى والرضا عنه والتوكُّلِ عليه والإخلاصِ له].

ودونَك هذين التعريفين للصوفي لعظيمين من عظماء الأمة الأول؛ لسيدنا سهلِ بنِ عبدِ الله التُسْتَرِي رضي الله تعالى عنه حيث قال: [الصوفيُّ مَنْ صفا مِنَ الكَدَرِ، وامْتَلأَ مِنَ الفِكَر، وانْقَطَعَ إلى اللهِ عن البَشَرِ، واستوى عندَهُ الذهبُ والْمَدر].

والثاني؛ لسيدي الإمام الرواس عليه الرحمة والرضوان حيث قال: [الصوفيُّ هو التقيُّ الذي لا يريدُ فساداً في الأرضِ ولا عُلُوّاً مِنْ رؤيةِ أبيه وجَدِّه وطَوْرِه ومَقامِهِ الذي يَصيُر مع الحَقِّ أين كان ولا يَنْحَرِفُ عنه].

وهنالك تعاريفُ كثيرةٌ لا يَسَعُها هذا المقام، والخلاصة تَكْمُنُ فيما قال سيدي زَرُّوق رضي الله تعالى عنه [هو صِدْق التَّوَجُّه إلى الله] وقال سيدي ابنُ عجيبة رضي الله تعالى عنه: قاعدةُ صِدْقُ التَّوَجُّه إلى اللهِ تعالى مَشْروطٌ بِكَوْنِه [مِنْ حيث يرْضاه وبما يرضاه]، ولا يصحُّ مَشْروطٌ بدون شَرْطِهِ قال تعالى: (وَلَا يَرْضَى لِعِبَادِهِ الْكُفْرَ) فَلَزِمَ تحقيقُ الإيمان: (وَإِن تَشْكُرُوا يَرْضَهُ لَكُمْ) فَلَزِمَ العملُ بالإسلامِ، فلا تصوفَ إلا بِفِقْهٍ إذْ لا نَعْرِفُ أحكامَ اللهِ الظاهرةِ إلا منه، ولا فِقْهَ إلا بِتَصَوُّفٍ إذْ لا عَمَلَ إلا بِصِدْقِ التَوَجُّهِ، ولا هما _الفقه والتصوف_ إلا بإيمان إذ لا يصحُّ واحدٌ منهما بدونِه، فَلَزِمَ الجمعُ لتلازُمِهِما في الحُكْمِ كتلازُمِ الأرواحِ للأجساد.

في الختام أقول: إنْ هي إلا خُلاصةٌ سَريعةٌ لمعرفةِ جوهرِ الإسلام، فإنْ وَعَى صاحبُك هذا المعروضَ فَبِها ونِعْمَتْ وإلا فهو صاحب هوى وجهلٍ مُركَّبٍ فإيَّاك وإياه.

وفقك اللهُ تعالى ورعاكَ وجعلني وإياكَ على قدم أولئك الكرام فهم صالحو الأمة وأولياؤها رزقنا الله تعالى الأدب معهم والعمل بعملهم وحشرنا محشرهم تحت لواء سيد الوجود وحبيب المعبود سيدنا رسول الله صلى الله عليه وسلم. لا تنس أن تخصني بصالح دعائك.