الفتوى رقم #3496
تطبيق الدين ينبع من محبة سيد المرسلين صلى الله عليه وسلم
السؤال
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته لدي سؤال عن تطبيق السنن النبوية في حياتنا اليومبة .انا كان انسان بسيط ارى دعوات للالتزام بتطبيق السنة النبوية من بعض الدعاة...ولكن اشعر ان السنة محصورة عندهم في اشياء معينه وهي اعفاء اللحية وقص السروال الي اعلى الكعب والشرب جالسا وتغطية الوجه للنساء والبدعة...السؤال ماهو المطلوب منا ..هل تطبيق اشياء محدده من السنه النبوية ام كامل السنه النبوية؟ هل تطبيق السنن في العادات والافعال اليومية فرض علينا ونحاسب على تركها..لا اقصد السنن في العبادات ولكن في العادات اليومية؟ هل مطالبين ان نعيش مثل العصر والزمن الذي عاش فيه الحبيب صلى الله عليه وسلم نسخة طبق الاصل من حياتهم اليومية ام نعيش اخلاقه وخصاله الحميدة؟ ماذا تنصحونا ان نركز من السنن النبوية في حياتنا المعاصرة؟ اصبحنا في حيرة من امرنا لكثرة المعلومات والاراء والافكار والمناهج في فهم الدين وطرق تطبيقه...
الجواب
وعليكم السلام ورحمة الله تعالى وبركاته وبعد أخي الكريم فإنَّ تلك الْمُغالَطَات التي ذكرتَ أَتْعَبَتِ العبادَ، وأرهقَتِ البلاد، ذلك أنَّ مفهومَ الاقتداء بالهدي النبوي اختلطَ على أولئك، فغابَتْ عنهمُ المقاصِدُ، ثم كانتِ النَّتيجةُ توجُّهاً إلى تَبْديع شريحةٍ واسعةٍ من المسلمين، فلو تدَّبروا هديَ الإسلام في بيان الله تعالى وهدي رسولِ الله صلى الله عليه وسلم لأدركوا المراد فَمِثالاً على ذلك قولُهُ عليه الصلاة والسلام في الصحيح: (مَنْ جَرَّ ثوبه خُيَلاءَ فهو في النار) قال الصديق رضي الله تعالى عنه: إنَّ ثوبيَ يُلامِسُ الأرضَ إلا أنْ أتعاهدَه، فقال عليه الصلاة والسلام: أما أنت فلا تجرُّه خُيلاء، فدلَّ على أنَّ القصد مِنَ الوعيد النَّهْيُ عمَّا كان عليه العَرَبُ مِنْ صورِ الاستكبار من جَرِّهِمْ ثَوْبَهم خُيَلاءَ وُمباهاةً، فقد كان وجهاء العرب يظهرون أنفسَهم بما يُميّزهم على غيرهم اسْتعلاءً واستكباراً، فَمَنْ غايَرَ هذا المرادَ خَرَجَ عن الوعيد، ، فالحكم المستخرج من ذلك النهي عن الكِبْرِ عبر أيٍّ مِنَ المظاهِرِ، لذا أشار الفقهاء إلى أنَّ أيَّ نوع من العادات لا يخالف بمظهره جانب الأخلاق ولا يخدج الحياء مباح لا سيما حينَما يغدو عادةَ أهل البلد. وإلا لَلَزِمَ الإنْكارُ على كل بلدِ عاداتها في اللباس والطعام والشراب، فمثلاً، فأهلُ المغرب العربي زِيُّهُمْ يختلِفُ عن أهلِ الْمَشْرِقِ والصورة الموضِّحَة لذلك أولئك الوفودُ الذين وفَدُوا على النَّبِيِّ في السَّنِة التاسعةِ للهجرة بأزياءَ مختلفة، فلم يُنكِرِ النَّبيُّ صلى الله عليه وسلم عليهم طالَمَا أنَّه لباسٌ عاديٌّ لا يدخل في مخالفة شرعية بمفهومِ المقاصد الشَّرعية.
بقي أنْ نُشيرَ إلى أنَّ اتَّباعَ السُّنَّة مِنَ السَّلاسَةِ بمكان ذلك أنَّه مُرتبط برابط الحب بين الحبيب والمحبوب بمفهوم الهدي المقصود من شمائل الحبيب الأكرم صلى الله عليه وسلم ومُتَعَلِّقٌ بربط القلب بصاحب السُّنة عليه الصلاة والسلام وملاحظة الطريقة التي كان يتعامل بها مع أصحابه الكرام الذين كانوا يَتَعَشَّقُون تَتَبُّعَ هَدْيِه لِعظيمِ لُطفه وجميلِ تصويره ورفقه في التذكير، وهذا ما لم يَنْتَبِهْ إليه مَنْ يَدْعُون إليها بِشراسَةِ الطَّبْعِ وسوءِ اللَّفْظِ وخَطَرِ الاتِّهامٍ لأناسٍ ليس في قَلْبِهِمْ إلا حُبُّ الحبيبِ صلى الله عليه وسلم الذي لا يستثمر إلا بِشهودِ أسلوبِهِ، وفَهْمِ مقاصِدِهِ، وإدراك طريقة تعاليمه.
وهذا ما أريد لفت النظر إليه ألا وهو قراءة، بل استقراء الشمائل النبوية وتلقيها بوجدان وتفاعل.
والآن؛ تأمَّلْ معي تعريفَ السنة عند الفقهاء! قالوا: [هو ما واظبَ عليه النَّبيِّ صلى الله عليه وسلم أو الخلفاء الراشدون بلا مَنْعِ التَرْكِ، وما يُؤْجَرُ على فِعْلِهِ ويُلامُ على تركِهِ، وما ثبت بقولِهِ صلى الله عليه وسلم، أو بفعله، وليس بواجِبٍ، وهذا قول السادة الحنفية، وعند السادة الشافعية ما كان فعلُه راجِحاً على تركِهِ ولا إِثمَ في تركِهِ... كما في القاموس الفقهي لسعدي أبي جيب]
فهذا ما ينبغي توضيحه في شأنِ السُّنَّةِ على أنَّه ينبغي أنْ لا يَفُوتَنا الحِرْصُ على تطبيق السنة بعنصر الترغيب والتَّحْبِيب، لا التفسيقِ والتكفير، إضافةً إلى أنَّ التقصيرَ في تطبيقِ السنة لا علاقة له بالبدعة، ذلك أنَّ البِدْعَةِ المنكرة في الشرع قبل كل شيء هي تلك التي تكون في الاعتقاد كإدخال شيء في عقيدة الإسلام ما ليس منه، أو أنْ تكون في العبادات كأن يستحدث عبادةً تخالِفُ أصلاً شرعياً أَصَّلَهُ الدِّين والبيان في ذلك قوله عليه الصلاة والسلام: (من أحدث في أمرنا هذا ما ليس منه فهو ردٌّ)
وعليه؛ فما يتعلق بما يُسمى سُنَنَ الزوائد التي هي من جِنْسِ العادة _كما قال الفقهاء_ كالقيام والجلوس والنوم والأكل واللباس والشرب والمشي، فلا تأثيم في تركِها لأنَّها في حُكْمِ العاداتِ الْمَيَّسَرة طبعاً التي لا تُجَسِّدُ تَركاً لأَصْلٍ من أصولِ الدين. على أنَّ مَنْ وافَقَ مَشْيُهُ مَشْيَ الحبيبِ صلى الله عليه وسلم، وجلوسه جلوسَ الحبيبِ صلى الله عليه وسلم، ونومُه نومَ الحبيب صلى الله عليه وسلم لا شك يثاب على فعله ويزداد نوراً على نور. كما كان الشأن في الصحب الكرام رضوان الله تعالى عنهم،
هذا وإني لأعجب من حصر الدين بصورة معينة دون التأكيد قواعده الأساس أنه سلامة العقيدة بأن لا إله إلا الله وأنَّ محمداً رسول الله وإقام الصلاة وإيتاء الزكاة وصوم رمضان وحج البيت لمن استطاع إليه سبيلا التي هي الأركان، وأنها أساس لناء الأخلاق من الإحسان إلى الناس بحسن الجوار وبر الوالدين وأكل الحلال والبعد عن الكبائر وحفظ الأمانة والصدق واغتنام العمر والمال والعلم فيما ينفع ويرفع في الدارين، فساحَةُ الدِّينِ واسِعَةٌ وما أحلى وأسعد أن يشملنا قوله عليه الصلاة والسلام: (أقربكم مني منازل يوم القيامة أحاسنكم أخلاقاً)
وتلك هي قضية الجمال في الإسلام أجل! فلما قال صلى الله عليه وسلم: (لا يدخل الجنة من كان في قلبه مثقال ذرةٍ من كبر) وِجِلَ منها أحد السامعين وكان له سمتٌ معين في لباسه وهيأته فسأل النبي مستفسراً: يا رسول الله! إن أحدنا يحب أن يكون ثوبُه حَسَناً ونَعْلُهُ حَسَناً) فوضَّح له النبي صلى الله عليه وسلم المقصد بتعريف ما ذكره السائل حيث قال: (إن الله جميلٌ يحبُّ الجمال) ثم بتعريف ما قالَه هو عليه الصلاة والسلام: (الكِبْرُ بَطَرُ الحَقِّ _أي إنكاره_، وغَمْطُ النَّاسِ _أي: استهزاء بهم)
فاطمئن بالاً أخي الحبيب ولا تَلْتَفِتْ إلى تعويقِ المعوِّقين، ثم أَدْمِنِ الدُّعاءَ والرَّجاءَ في أنْ يُفَقِّهَكَ اللهُ تعالى بالفهم العميق للمراد النبوي من أقواله وأفعاله الشريفة صلى الله عليه وسلم، وأنْ يَجْعَلَكَ مَظْهراً لِهَدْيِهِ المبارك بوراثة محمدية راشدة. تدلهم عليها بصدق المحبة وحسن المقصد والخُلُق.