الفتوى رقم #3031
ميزان التفريق بين حسن الظن والحذر
السؤال
السلام عليكم ورحمة الله سؤال لو سمحتم كيف أجمع بين حسن الظن وأن لا أكون مخدوعا ؟ أي عندما أحسن الظن بشخص ما وهو يخدعني أو يستغل حسن ظني به أو قد يكون أدق كيف أفرق بين حسن الظن والحيطة والحذر ؟ وجزاكم الله كل خير
الجواب
وعليكم السلام ورحمة الله تعالى وبركاته؛ أقول: إنَّه لا رابطَ سلبي بين حُسْنِ الظَنِّ وأَمْرِ التعاملِ مع الناس, ذلك أنَّ حُسْنَ الظّنِّ يتعلَّقُ بالحُكْمِ على الظاهر وعدم التدخل بسرائر الناس على حدِّ ما ورد: (أُمِرْنا أنْ َنَحْكُمَ بالظاهرِ واللهُ يَتَوَلَّى السرائر) وحد الحديث النبوي الشريف (إذا ظننت فلا تحقق..) أي فلو ساء ظنك في حقِّ شخص ما لأمر يخصه دون سواه فلست مطالبا بأن تُتابِعَ شأنَه الخاصَّ للتثبُّت, بل عليك أن تحسن الظن تطبيقاً لهدي الكتاب والسنة قال تعالى: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اجْتَنِبُوا كَثِيراً مِّنَ الظَّنِّ إِنَّ بَعْضَ الظَّنِّ إِثْمٌ) وقال صلى الله عليه وسلم: (إذا ظَنَنْتَ فلا تُحَقِّق)
أما أَمْرُ التعامُلُ مع الناس فَلَهُ ضوابِطُهُ, ذلك أنَّه مبنيٌّ على الأهلية والصلاحية للتوثيق, فمثلاً مَسْألَةُ المداينة! تُرى هل على الدائن أنْ يُقْرِضَ الْمَدِين دون توثيقٍ لحقِّه بالمكاتبة بناء على حسن الظن؟؟ قطعا لا, فآية المداينة أطولُ آية في القرآن قد خوطب بها المؤمنون دون استثناء بقوله سبحانه: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ إِذَا تَدَايَنتُم بِدَيْنٍ إِلَى أَجَلٍ مُّسَمًّى فَاكْتُبُوهُ وَلْيَكْتُب بَّيْنَكُمْ كَاتِبٌ بِالْعَدْلِ وَلاَ يَأْبَ كَاتِبٌ أَنْ يَكْتُبَ كَمَا عَلَّمَهُ اللّهُ) ثم في الآية ذاتها اشترط شاهدان (وَاسْتَشْهِدُواْ شَهِيدَيْنِ من رِّجَالِكُمْ فَإِن لَّمْ يَكُونَا رَجُلَيْنِ فَرَجُلٌ وَامْرَأَتَانِ مِمَّن تَرْضَوْنَ مِنَ الشُّهَدَاء أَن تَضِلَّ إْحْدَاهُمَا فَتُذَكِّرَ إِحْدَاهُمَا الأُخْرَى) ومعنى أن تضل هنا أي: تنسى وذلك لأنها بعيدةٌ عن واقعِ المجتمع ومداخِلِهِ الصاخِبَةِ الكثيرة التي لا تخبرها فَمِنْ أجل ذلك كانت شهادتُها بنصف شهادة الرجل, لا تنقيصاً, بل توثيقاً للحقوق لاحِظْ كيف أنَّ أَمْرَ التوثيق لم يعتمد على حُسْنِ الظَنِّ, وهنا السؤال؛ ترى حتى ولو كان المدين شيخَ الأولياء من حيث الظاهر أقول: أجل فميزان الشرع سلطان على الجميع فهو الضامن.
ومثالاً آخر؛ فلو خَطَبَ إلينا شابٌ ظاهرُه حَسَنٌ ونحن لا ندري سره فهل يشفع في مصاهرته أنْ نَعْتَمِدَ على ظاهره الحسن بحسن الظنَّ به؟؟! هل يكفينا ذلك عن السؤال عنه والتوثُّق من مسلكياته عبر استشارة واستخارة؟ أقول: أبداً لا يَكْفينا, وعليه؛ يظهر أنَّ حُسْنَ الظَنِّ شيءٌ وتوثيقَ الحقوقِ شيءٌ آخر. فحسن الظن أخلاق وتوثيق الحقوق تعامل. فإذا اجتمعا سُدَّت كلُّ مَداخِلِ الضرَرِ بإذنِ اللهِ تعالى.
ختاماً؛ أقولُ فلعل الصورةَ وضَحَتْ في أنَّنا مطالبون بحسن الظن فيما يتعلق بشؤون العباد الخاصة, ومطالبون بتوثيق الحقوق المعنوية والحسية عامة, وأنَّ التوازنَ في ذلك كلِّه ميزانُ الشرع أجل! فمن المسَلَّمات لضمانِ الحقوق, وتسهيلِ الوصولِ إلى ما يَنْفَعُ, ودفعِ ما يَضُرُّ إنما هو العملُ بشرعِ اللهِ تعالى في كلِّ صغيرةٍ وكبيرةٍ.
وفقني الله تعالى وإياكم إلى ما فيه صالحنا على العموم والخصوص.