مميز
EN عربي

الفتوى رقم #29710

التاريخ: 12/01/2012
المفتي: الشيخ محمد الفحام

أبو النبي صلى الله عليه وسلم في الجنة أم في النار

التصنيف: العقيدة والمذاهب الفكرية

السؤال

ممكن اعرف اذا كان ابو النبي من اهل الجنة ؟ يقال انه من اهل الفترة ولكن بزمنه كان ورقة بن نوفل وكان على المسيحية الصحيحة ؟ وهل يستدل بحديث مسلم "ابي وابوك في النار " وشكرا جزيلا

الجواب

في البداية أدعو الله أن لا يجعلنا فتنة لغيرنا في الأقوال والأفكار كما أسألهُ سبحانه أن يعيذنا من أَنْ نؤذيَ رسولَ الله صلى الله عليه وسلم بقولٍ أو فكر يشقينا في الدارين، أو يُدخلنا في دائرة المقت البغيض. فلقد تهاتَر الكثير من الناس في هذه المسألة إلى مستوى التكفير أو التجهيل وبلغَ بعضهم في الجرأة مبلغاً خطيراً ... ولو أننا سَلكنا فيها المسلك العِلمي لأرحْنا واسترحنا ... أو أننا سَكتنا عنها لما سُئلنا يوم الحساب، لكنْ؛ أما وأنَّ السؤال قد عُرضَ فلا بد من التذكير والتبيين. أولاً؛ حديث: "إن أبي وأباك في النار" الذي أخرجه مسلم، فلا بد من لَفت النظر إلى تفصيل وجيه وجه إليه العديد من أهل العلم منهم صاحبُ السيرة الحلبية حيث يقول: (لم تتفق الروّاة في حديث مسلم على قوله فيه؛ "إن أبي وأباك في النار" ففي رواية؛ أنه قال صلى الله عليه وسلم: -بدَلَ ذلك- "إذا مررت بقبر كافر فبشِّره بالنار" ونصوا على أن ناقل هذه الرواية أثبتُ من ناقل الأولى، كذلك أخرج البزار والطبراني والبيهقي من حديث سعد بن أبي وقاص أن أعرابياً قال لرسول الله صلى الله عليه وسلم: "أين أبي؟ فقال: "في النار" قال: فأين أبوك؟ قال صلى الله عليه وسلم: "حيثما مررت بقبر كافر فبشِّره بالنار" وهذا الإسناد على شرط الشيخين. ويحتمل أنه قال ذلك لمصلحة ايمان ذلك السائل بدليل أنه صلى الله عليه وسلم لم يتدارك إلا بعد ما نفا، فأتى له بما هو شَبيه المشاكلة مريداً بأبيه عمّه أبا طالب لا عبد الله. قلت: وهذا واردٌ استعماله كثيراً عند العرب يقول الإمام السيوطي: وهذا حديث صحيح وفيه فوائد: منها؛ بيانُ أن السائل كان أعرابياً وهو مَظِنّة خشية الفتنة والردة ومنها؛ بيان جوابٍ فيه إيهام وتوريه إذ لم يُصّرِّح فيه بأنَ الأب الشريف في النار، إنما قال: حيثما مررت بقبر كافر فبشره بالنار، وهذه جُملةٌ لا تَدُلُّ بالمطابقة على ذلك، إنما قد يُفهَمُ منها بحَسَب السِّياق والقرائن وهذا شأن التورية والإيهامات، فكرِه صلى الله عليه وسلم أن يُفْصِحَ له بحقيقةِ الحال ومخالفَةِ أبيه لأبيه في المحل الذي هو فيه خشيةَ ارتدادِه لما جُبِلَتْ عليه النفس من كراهية الاستئثار عليهما، ولما كانت عليه الأعراب من غلظِ القلب والجفاء، فأوْرَد له جواباً مُوهماً تطييباً لقلبِه، فكانت هذه الطريق من طُرق الحديث في غاية الإتقان. ثانياً؛ قال الإمام الباجوري في شرحِه على الجوهرة: المذهبُ الحق أن أهل الفترة -وهم من كان في أزمنةِ الرسل أو في زمَنِ الرسول الذي لم يُرسل إليهم- ناجون ... أي للدليل القطعي وهو قوله سبحانه: (وما كنا معذّبين حتى نبعث رسولا) ثم قال: إذا علمتَ أن أهل الفترة ناجون على الراجح علمَت أن أبويه صلى الله عليه وسلم ناجيان لكونهما من أهل الفترة أهـ. هذا؛ وقد سُئِل الحافظ المناويُّ عن والدِ النبيِّ صلى الله عليه وسلم: هل هو في النار فزجَر السائل زجرةً شديدةً. فقال -أي السائل-: هل ثبتَ إسلامه؟ فقال: إنه ماتَ في الفترة، ولا تَعذيب قبل البعثة. وقال سِبطُ ابن الجوزي: وقال قومٌ - أي في قوله تعالى: (وما كنا مُعذبين حتى نبعث رسولا) والدعوة لم تبلغ أباه ولا أمَّه فما ذنبهما. وجزم به الأُبّي في شرح مسلم. ثم قال: فإن قلتَ: صَحَّت أحاديثُ بتعذيب بعضِ أهلِ الفترة!!؟ قلت -القائل السيوطي- 1- إنها أخبار آحاد فلا تُعارضُ القاطعَ 2- قصر التعذيب على هؤلاء، والله أعلم بالسبب. 3- قصرُ التعذيب في هذه الأحاديث على من بدّل وغيَّر الشرائع، وشرَّع في الضلال ما لا يُعذر به. فإن أهل الفترة ثلاثة أقسام؛ قسم: أدرك التوحيد ببصيرته، قسم: بدَّل وغيَّر كعمرو بن لُحي، وقسم: لم يُشرك ولم يوحد ولا دَخَل في شريعة نبي ولا ابتكر شريعة لنفسه. فإذا انقسم أهل الفترة هكذا فيُحمل مَن صَحَّ تعذيبه على القسم الثاني لكفرهم بما لا يُعذرون به، وأما القسم الثالث فهم أهل الفترة حقيقة وهم غير معذّبين للقطع. وأما القسم الأول فقد قال صلى الله عليه وسلم في قَس بن ساعدة: "إنه يبعثُ أمةً وحده". ثالثا؛ إن أبوي رسول الله صلى الله عليه وسلم لم يَثْبُتْ عنهما شِرك بل كانا على دين الحنيفية دينِ جدِّهما إبراهيم، وهذا المسلك ذهب إليه طائفة منهم الإمام الرازي، ومما يدُل على أنّ آباء سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم ما كانوا مشركين قوله صلى الله عليه وسلم: "لم أزل أُنقل من أصلاب الطاهرين إلى أرحامِ الطاهرات" والله تعالى يقول: "إنما المشركون بجس" فوجَب أن لا يكون أحدٌ من أجداده مشركاً. رابعاً؛ وجبَ شرعاً عدمُ إيذاءِ رسولِ الله صلى الله عليه وسلم، لما سُئِلَ أبو بكر ابن العربي عن رجل إن أبا النبي صلى الله عليه وسلم في النار -أنكر عليه إنكاراً شديداً-، ثم قال مُعلِّلاً إنكاره عليه: لأن الله تعالى قال: (إن الذين يؤذون الله ورسوله لعنَهم الله في الدنيا والآخره وأعَدَّ لهم عذاباً مُهيناً) قال: ولا أذى أعظم من أنْ يقال عن أبيه إنه في النار. قال الإمام السُّهيلي رحمه الله: وليس لنا نحن أن نقول ذلك عن أبويه صلى الله عليه وسلم لقوله صلى الله عليه وسلم: "لا تؤذوا الأحياء بسبِّ الأموات" ولقوله سبحانه: (إن الذين يؤذون الله ورسوله لعنهم الله في الدنيا والآخرة..) ولا أذى أعظم من أن يقال عن أبيه صلى الله عليه وسلم أنه في النار. وأخرج أبو نُعيم في الحلية من طريق عبد الله بن يونس قال: سمعتُ بعض شيوخنا يذكر أن عمر بن عبد العزيز أُتيَ بكاتب يُخطُّ بين يديه، وكان مسلماً وأبوه كافراً، فقال عمر للذي جاء به؛ لو كنتَ جئت به من أبناء المهاجرين. فقال الكاتب: فقد كان أبو رسول الله صلى الله عليه وسلم -قال السيوطي: وذكر كلمة اسقطتها أنا - فغضب عمر وقال: لا تخط بين يدي بالقلم أبداً. خامساً؛ لعلّك تسأل لِمَ لَم نستشهد بأحاديث إحياء أبوي رسول الله صلى الله عليه وسلم وإسلامهما كرامة له ومعجزة من معجزاته. قلت: لكي لا يظنَّ مَن يظنُّ أنه لا أدلّة سواها مع أن العديد من المحدثين تكلموا بكلام جليل حيالها ونَفوا الوضع بمدلولات علمية لك أن تطّلع عليها في مظانها لا سيما بالرجوع إلى رسائل الإمام السيوطي في تحقيق نجاة أبوي رسول الله صلى الله عليه وسلم وأنهما من أهل الجنة في الآخرة، فإن فيها كلاماً نفيساً يُثلج الصدور ويزيل الإشكال ويُذهب الهم إن شاء الله. والرسائل هي: 1- مسالك الحنفا في أبوي المصطفى صلى الله عليه وسلم. 2- التعظيم والمنَّه في أبوي الرسول صلى الله عليه وسلم في الجنة. 3- الدرج المنيفة في الآباء الشريفة. 4- نشر العَلَمين المنيفين في إحياء الأبوين الشريفين. 5- المقامة السندسية في النسبة المصطفوية. 6- السُبُل الجلية في الآباء العلية. أضيف إليها أيضاً شرح الباجوري على الجوهرة بيت رقم /9/. والتاج الجامع للأصول 1/382 وغيرها الكثير لكن لعلَّها تكفي. أخيراً: بقي لفْت النظر إلى أن الربط بورقة بن نوفل غير سديد ذلك أنه أدرك نبوة رسول الله بل وسَمع منه قصة نزول الوحي وأقره. وقد قال للنبي صلى الله عليه سلم لما سمع ذلك؛ يا ليتني فيها جذعاً؛ أي لينصر رسول الله. لذلك استدلّ بعضُ أهل العلم بكلامه هذا على إسلامه ففي السيرة النبوية لابن هشام وغيرها قال ورقة للنبي صلى الله عليه وسلم بعد سماعِه قصةَ الوحي وإقراره ولئن أنا أدركت ذلك اليوم لأنصرنَّ الله نصراً يعلمه، ثم أدنى رأسه عنه فقبَّل يافوخه ... هذا وبالله التوفيق والسداد والله تعالى أعلم.